يصر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على التضحية بكل شيء مقابل انقاذ عنقه من مقصلة المحاكمات التي تنتظره سواء بسبب الإخفاقات السياسية والعسكرية او حتى المخابراتية فضلا عن سلسلة طويلة من الفساد المالى والادارى . في سبيل ذلك يعمد الى خلط جميع الأوراق لاطالة امد الحرب الدائرة الان واتساع رقعتها لتشمل جنوب لبنان وأيضا ايران اذا لزم الامر.
وضد رغبة الإدارة الامريكية يسعي نتنياهو بكل الوسائل لاشعال جبهة جنوب لبنان وتجاوز قواعد الاشتباك التى تم الاتفاق عليها بين حزب الله وتل ابيب بعد عملية 2006، وقبل أيام اغتالت إسرائيل القيادى الفلسطيني صالح العارورى في الضاحية الجنوبية التي تعد معقل حزب الله، وبعدها بيومين شنت غارة جديدة أدت إلى مقتل قائد بارز يدعي وسام الطويل القيادي في "قوة الرضوان" التابعة لـ"حزب الله"، وهي قوة النخبة في الحزب. وتبعا لادبيات الحزب فان هذه ضربة مؤلمة للغاية، وهذا الهجوم تحديدا يمثل محاولة صريحة وصارخة لاستفزاز الحزب وجره الي حرب طويلة في الجنوب اللبناني علي أمل ان يسترجع رئيس الوزراء الإسرائيلي ما فقده من دعم امريكي وغربي منذ بداية حربه علي قطاع غزة.
ومع اندلاع ازمة السابع من أكتوبر، كان هناك اتفاق شبه رسمي من طهران وواشنطن على عدم الدخول والانخراط مباشرة في اى مواجهة عسكرية، واحد أسباب التواجد العسكري الأمريكي امام الشواطئ الفلسطينية والإسرائيلية هو التأكيد علي جدية هذا الاتفاق غير المكتوب، الا ان نتنياهو بعد فشله في تحقيق مكاسب حقيقية علي الأرض في غزه زاد عليه الضغط الداخلي من أعضاء الكابينيت وأهالي الاسري الإسرائيليين، اما خارجيا فجميع من دعموه في بداية الحرب سواء في الولايات المتحدة او أوروبا بدأو في التراجع واولهم الإدارة الامريكية، الامر الذي سبب صدمة له جعله يفكر في استخدام حيلته المُجربه دائما وهي خلط الأوراق وفتح اكثر من جبهة لاحراج الجميع واولهم الرئيس جو بايدن الذي يتحسس مواقفه بعد دخوله في عام الانتخابات الرئاسية.
إصرار نتنياهو علي اشعال جبهة جنوب لبنان يؤشر ان هناك قرار سياسي وعسكري تم اتخاذه لإحداث تغيير جذري في الوضع الأمني على حدود اسرائيل الشمالية مع لبنان، فهناك اكثر من ١٠٠ الف مستوطن غادروا قراهم ومستوطناتهم الي داخل إسرائيل يمثلون عبء علي الحكومة لتوفير أماكن إقامة وعمل. وإسرائيل تسعي الي تطبيق القرار الدولي 1701 الصادر عن مجلس الأمن في أغسطس 2006 عقب عدوان إسرائيل على لبنان. وينص القرار علي إقامة منطقة عازلة خالية من السلاح بين الحدود وجنوب نهر الليطاني التي تنشط فيها فرقة "الرضوان" العسكرية لحزب الله، التي اغتالت إسرائيل قائدها قبل أيام. وبالنسبة لنتنياهو فان الخطوة تسمح له بتأمين عودة المستوطنين الي قري الشمال وفي نفس الوقت تمنح حزب الله شرعية قانونية ودولية للنتشار في الجنوب اللبناني متجاوزا بذلك دور الجيش الوطني اللبناني، وبالفعل يتمني حزب الله تنفيذ هذا المخطط الا ان إسرائيل مازالت تربطه بنهاية الحرب في قطاع غزة، وهي تهدف هنا ان يتحول نصرالله الي أداة ضغط علي قيادات حماس للاستجابة لمبادرات التهدئة والافراج عن الرهائن الاسرائليين المحتجزين في القطاع.
وتحذر إسرائيل على نحو متزايد من أنه إذا لم يدفع المجتمع الدولي حزب الله ــ الذي أقسم، مثل حماس، على تدمير إسرائيل ــ بعيداً عن الحدود من خلال السبل الدبلوماسية، فإنها سوف تتخذ الإجراءات اللازمة بنفسها.
وردد نتنياهو تصريحات وزير الدفاع يوآف غالانت ، عندما قال أن هناك “نافذة زمنية قصيرة للتوصل إلى تفاهمات دبلوماسية” مع حزب الله. و“هناك نتيجة واحدة محتملة فقط هو خلق واقع جديد في الساحة الشمالية يسمح بعودة مواطنينا الآمنة".
حزب الله وامينه العام حسن نصرلله ، اسقط في يده ولم يترك له نتنياهو خيارا آخر سوي الرد العسكري علي تكرار الاغتيالات، وفي المرة الاولي حين تم استهداف العاروري كان الحزب يجد مبررا في عدم التوسع في الحرب بان المستهدف تابع لحركة حماس، ولكن في المرة الثانية كان المستهدف احد القيادات المسئولة في الحزب وتم الاستهداف في الجنوب، اذن تم اسقاط كل المبررات التي يقف وراءها نصرالله لعدم التوسع في الحرب مع إسرائيل ولا بديل عن المواجهة.
وبالفعل هدد حسن نصر الله في خطاب له بأن سكان شمال إسرائيل سيكونون “أول من يدفع الثمن إذا اندلعت حرب واسعة النطاق” على الجبهة الشمالية، كما استخدم زعيم التنظيم المدعوم من إيران الخطاب لتكرار العديد من التهديدات ضد إسرائيل التي أطلقها في وقت سابق من هذا الأسبوع، متعهدا مرة أخرى بالانتقام لمقتل نائب رئيس حماس صالح العاروري في بيروت دون توفير تفاصيل.
الازمة ذاهبة الي التصعيد علي مختلف الجبهات سواء المفتوحة او تلك التي علي وشك ان تُفتح ، حتي ما يقال عن "اليوم التالي" لمستقبل القطاع وإدارته المدنية والعسكرية لم يتبلور فعليا، وبقيت التساؤلات عن شكل إدارة القطاع، خصوصاً بشقها الأمني، من دون إجابات واضحة.
هذا الصراع الذي دخل شهره الرابع، يرفع حدة المخاوف من توسعه إقليمياً إلى العراق وسوريا والبحر الأحمر، خاصة ان الجولات المكوكية التي يقودها مسئولين أمريكيين وغربيين هي مجرد حركة من اجل الحركة ولن تؤدي الي نتائج مع تصاعد عمليات العسكرية.. وبالتأكيد "لن يخرج أحد منتصراً منه".